مقالة حول الانفعالات في الفلسفة
مقدمة:
إذا كان الشعور وعيا و معرفة مباشرة فإن الشعور من ثمة يتضمن موضوعا يقع عليه و ذاتا شاعرة و يتجلى ذلك بشكل قوي في الشعور التأملي، فقد نشعر بالارتياح تجاه بعض الوقائع و الأشياء كما نشعر بالانزعاج و عدم الارتياح تجاه موضوعات أخرى و قد يرتبط ذلك إما بإدراكنا لهذه الموضوعات أو بالتجارب التي مرت بنا و أيّا كان الارتباط فإن الشعور بعدم الارتياح مؤلم في حين أن الشعور بالارتياح شعور لذيذ و الحقيقة أن اللذة و الألم هما مبدأ و قوام الحياة الانفعالية أي أن الفرد مهما كانت انفعالاته فهي إما لذة أو ألما. و لعل السؤال المباشر لهذا الطرح هو ماذا نعني أصلا بالانفعال و ما هي درجاته و أشكاله؟
مفهوم الانفعال:
أ- المعنى العام: الانفعال هن إحدى مقولات أرسطو العشر و تعني ما يحدث للشيء من تغير نتيجة تأثير شيء آخر و بهذا يكون الانفعال حالة تغير و كما يقول الغزالي "الانفعال هو نسبة الجوهر المتغير إلى جوهر الغير فإن كل منفعل فعن فاعل وكل متسخن و متبرد فعن مسخن و مبرد".
ب- المعنى الخاص: يقول جميل صليبا "إن الاختلاف في معاني الانفعال يدعونا إلى تحديد مدلوله في اصطلاحنا، فهو يدل عندنا على جميع الكيفيات الشعورية المتولد من النزعات كاللذات و الآلام و الهيجانات، و نحن نسمي هذه الكيفيات بالأحوال الانفعالية أو الوجدانية.
و يمكن أن نستنتج أن الانفعال حالة تغير تعتري سلوك الفرد و تكون مصحوبة بإثارة وجدانية معينة و نزوع نحو سلوك معين.
شروط الانفعال:
حتى يتم الانفعال لا بد من توفر ثلاث شروط أساسية هي:
1- المنبه: و نعني بذلك المثير الذي يمكن أن يكون خارجيا كرؤيتي لسيارة تقترب مني و قد يكون داخليا كتذكري لحالة سارة أو توقعي النجاح.
ملاحظة: يختلف المنبه و تأثيره من شخص لآخر حسب البيئة الجغرافية و الاجتماعية للفرد.
2- الكائن الحي: و نعني بذلك حالة الشخص الجسمية من حيث الصحة و المرض و حالته النفسية إضافة إلى الخبرة السابقة و مدى استعداد الفرد للانفعال و كذا قابلية الفرد للانفعال.
3- الاستجابة: و نعني بذلك الإثارة التي تحدث كرد فعل على المثير و للاستجابة مظهرين جسمي و شعوري.
المظهر الجسمي: و يتمثل في جملة التغيرات السطحية كحالة التقزز تعبيرا على النفور إضافة إلى ذلك التغيرات الجسمية الحشرية التي تصاحب الانفعال و تبدو جلية و واضحة إذا كان الانفعال قويا.
المظهر الشعوري: و يتمثل في الحالة الباطنية الشعورية التي تصاحب الانفعال كحالة الضيق التي يشعر بها الغاضب.
مبدأ و أشكال الانفعال: تتعدد أشكال الانفعال تبعا لدرجاته فهنالك الانفعالات البسيطة مثل اللذة و الألم وهنالك المركبة كالعواطف و الأهواء و قد تكون قوية جامحة كالهيجان.
مبدأ الحياة الانفعالية:
1- اللذة و الألم: يقول جميل صليبا في معجمه "اللذة مقابل للألم و هما بديهيان أي من الكيفيات النفسانية الأولية، فلا يعرفان، بل تذكر خواصهما و شروطهما و أسبابهما دفعا للالتباس اللفظي".
و يدلنا هذا التقديم على صعوبة تعريف اللذة و الألم، و يقتصر البعض على ذكر أن اللذة هي "إدراك الملائم أنه ملائم كطعم الحلاوة عند حاسة الذوق و النور عند التبصر" الجرجاني أما ابن سينا فيرى إن اللذة هي إدراك و نيل لوصول ما هو عند المدرك كمال و خير من حيث هو كذلك و يكون الألم مقابلا لذلك أي أن الألم هو إدراك المنافي أو كما يوصف بأنه الفعل المضاد لطبيعة الكائن الحي في مقابل اللذة التي تعد كيفية تتفق وطبيعة الكائن الحي.
و لكن هذا التقابل لا يعبر عن تضاد مطلق بين اللذة و الألم لعدم وجود لذة خالصة أو ألم مطلق خالص بل يمكن أن يكونا متعاقبين...الخ.
و لكن يجب الإشارة إلى أن اللذة و الألم يمكن أن يكون جسميان ناتجان عن إثارة حسية كلذة الحلاوة في التفاح عند أكله أو كألم الحرق عند لمس النار. و يمكن أن يكونا نفسيان كلذة النجاح أو ألم الرسوب.
نتيجة: نستخلص أخيرا أن اللذة و الألم مبدآن للحياة الانفعالية إذ يمكن أن ترد إليهما جميع الحالات الانفعالية و لكن ليس العكس.
أشكال الانفعال:
العواطف و الأهواء :
العاطفة لغة تعني الشفقة و الرأفة و جمعها عواطف. أما اصطلاحا فمنهم من يطلقها على الانفعالات الناشئة عن أسباب معنوية لا عن أسباب عضوية.
و منهم من يطلقها على اللذات ة آلام و غريزة حفظ البقاء و المشاركة الوجدانية و الحب و الكبرياء و التواضع...الخ.
و منهم من يطلقها على الميول الغيرية دون الميول الأنانية و النفعية و يمكن التعريف الأوضح للعاطفة يبدو في قول الدكتور حلمي المليجي "العاطفة نظام يتألف من عدة ميول وجدانية مركزة حول شيء معين (شخص، جماعة، فكرة مجردة) تكيف الشخص لاتخاذ اتجاه معين في شعوره و تأملاته و سلوكه الخارجي".
نستنتج من التعاريف السابقة أن:
1* العاطفة تجمع بين الفطرة و الاكتئاب فهي تنبت من استعدادات الفرد و تتأثر بالعوامل الاجتماعية فتنمو و تقوى تحت تأثير التفكير و التأمل و التجارب الانفعالية.
2* العاطفة انفعال كونها تكون مصحوبة بإثارة وجدانية معينة و تطيع السلوك بطابع خاص.
3* العاطفة تعد مركبة قياسا للذة و الألم، فعاطفة الأمومة موضوعها الوليد الذي يثير في أمه مجموعة من الإثارات الوجدانية مثل (الإعجاب و التملك، البهجة، الحنان،...الخ) و يتألف نتيجة لذلك شعور خاص يدفع الأم إلى اتجاه معين في سلوكها و تأملاتها.
في حين أن عاطفة الكراهية مزيج من مشاعر مختلفة كالاشمئزاز و النفور و الاحتقار و النكد و الحقد.
الهوى : في اللغة الميل و العشق وميل النفس إلى الشهوة فيقال فلان يتبع هواه أريد ذمه .
أما في الاصطلاح فالهوى ميل النفس الشديد إلى ما تحب و تشتهي محمودا كان أو مذموما و هو مصحوب بحالات انفعالية و صور عقلية مختلفة.
فالعشق مثلا الهوى لأنه ميل شديد يستولي على النفس، و يمنعها من الاهتمام بغير المعشوق.
و يبدو مما سبق أنه الهوى انفعال قريب من العاطفة و لكنه أقوى منها علاوة على أخذه اتجاها معينا و استقطابه لموضوع محدد.
الهيجان : انفعال حاد وعنيف و قوي يعم الجسم و النفس معا فيؤدي إلى اختلال في السلوك بصفة عامة.
مظاهر الهيجان: مظاهر التعبير الهيجاني كثيرة يمكن إجمالها فيما يلي:
1- تغيرات جسمية ظاهرية ففي حالة الغضب نلاحظ تقطيب الحاجبين- جحوظ العينين - احمرار الوجه - ضغط الأسنان - أو عض اللسان - شد اليدين و قبضها - التعرق...الخ.
2- تغيرات جسمية باطنية:
- اختلال في الجهاز الدوري و زيادة نبضات القلب.
- اختلال في الجهاز التنفسي- سرعة التنفس.
- اختلال في الإفرازات الغددية كزيادة الأدرينالين في الدم. توقف الإفراز الغدد اللعابية، توقف الإفراز و الغددية الهضمية و هذا ما يؤدي إلى اختلال في الجهاز الهضمي....
- اختلال في الجهاز العصبي ( التخطيط الكهربائي للدماغ من إلى 3 تغيرات نفسية:
- اضطراب الشعور.
- تفكك الضبط الإرادي.
- يسفل باللغة فتفك الرابط في المعنى...الخ.
طبيعة الهيجان:
إذا كان الهيجان انفعال حاد و عنيف يصيب الفرد و يعم النفس و الجد فيؤدي إلى اضطرابات شتى على المستوى النفسي و الجسدي إلا أن الجدل قائم حول أهمية الشعور السيكولوجي في الهيجان و أثر التغيرات الفقزيولوجية فيه بمعنى هل الهيجان يحدث نتيجة لتصورات عقلية تؤدي إلى الشعور بالحالة ثم تعقبها التغيرات الفزيولوجية أم العكس أي هل التغيرات الفزيولوجية هي التي تؤدي إلى الشعور بالهيجان.
النظرية النفسية أو العقلية: يعتقد الكثير من الفلاسفة و علماء النفس أن كل هيجان يبدأ أولا بإدراك و تصور المنبه، فإذا أدركنا الخطر استجبنا بالهروب و إلا فلا نهرب فراكب الطائرة المحلقة في الأجواء إذا أدرك بأن خللا طرأ على الطائرة فإنه سيرتجف خوفا أو يغمى عليه فالخوف أصبح هيجانا و ما يرافقه من تغيرات نتيجة طبيعية لإدراك الخطر الذي سينجم من جراء الخلل الذي أصاب الطائرة. و من أنصار هذه النظرية هربارت و ناهلوفسكي إذ يقول الأول "إن الانفعالات اللذيذة تنشأ عن اتفاق و انسجام التصورات بعضها مع بعض، أما الانفعالات المؤلمة فتنشأ عن عدم انتظامها و عدم اتفاقها".
والحجة: التي يركز إليها هؤلاء تستند إلى أساس فلسفي مفاده أن الجسم آلة و النفس هي مصدر كل أفعالنا، و بالتالي فجميع الأفعال الهيجانية تابعة للنفس و تابعة للتصورات العقلية.
النقد: رغم أهمية التصورات العقلية في حدوث الهيجان إلا أن اتخاذ التصورات العقلية سببا لحدوث الهيجان و التغيرات مجرد نتيجة له أمر غير مقبول للأسباب التالية:
1- أن الهيجان بمعزل عن التغيرات الجسدية ل يغدو هيجانا و إنما يصبح مجرد حالة انفعالية هادئة فنحن لا نعرف الهيجان إلا من خلال التغيرات الجسدية.
2- إن الشعور لا يسبق دائما التغيرات فقد يفاجئني أحد الأصدقاء بصب الماء البارد على جسدي فينتفض جسدي و تتعلق أنفاسي بعد شهقة طويلة ثم أدرك بعد ذلك أسباب ما حدث لي.
3- قد تسيطر علينا حالات هيجانية نتيجة لاضطرابات عضوية بحتة.
لهذه الأسباب يغدو من المجازفة التسليم بأن الهيجان يحدث دائما نتيجة لتصورات عقلية.
النظرية الجسمية: إن تقدم الدراسات البيولوجية أفضى إلى محاولة الكشف عن أبعاد التأثير الجسمي فيما هو سيكولوجي، لقد اعتقد الكثير من علماء النفس ممن تأثر بالنزعة البيولوجية أن الحالات الهيجانية هي نتيجة للتغيرات الجسمية الحشوية أو بصورة أخرى أن التغيرات الجسدية هي الانفعال ذاته و من القائلين بهذه النظرية وليم جيمس الذي يقول "إن الذوق العام يرى أننا نضيع ثروتنا فنحزن و نبكي، نقابل ذئبا فنخاف و نهرب، و يهيننا خصمنا فنغضب و نضرب و الأصح أن نقول "إننا نحزن لأننا نبكي- نغضب لأننا نضرب و نخاف لأننا نرتجف و ليس العكس".
فما نستنتج من هذا القول أن الهيجان ليس مجرد حالة نفسية إنه التغيرات الجسمية.
و يمكن تلخيص حجج أصحاب النزعة الفزيولوجية فيما يلي:
1- إذا أزيلت التغيرات من الهيجان أصبح مجرد حالة باردة.
2- دلت التجارب على أن اشرط الضروري و الكافي لحدوث الهيجان هو التغيرات الجسدية فاصطناع الغضب يؤدي إلى الشعور بالغضب.
3- بعض الانقباضات الحشوية تؤدي إلى الهيجان.
النقد: إذا كان صحيح أن التغيرات الجسمية سبب ضروري للهيجان فالقول بأنها كافية مشكوك في صحته و من الانتقادات التي توجه لهذه النظرية.
1- حدوث التغيرات لا يؤدي إلى الهيجان مثلا حقق شخص بمادة الأدرينالين يحدث لديه التغيرات الجسدية التي نلاحظها عند الغاضب دون الشعور بالغضب.
2- القول بالتغيرات الجسدية لا يكشف عن الاختلاف النوعي للحالات الهيجانية فالفرح
والغضب قد يشتركان في بعض المظاهر و رغم ذلك فالفرح يخالف تماما للغضب.
خاضع لسيطرة الجملة العصبية إن للهيجان آثار خطيرة على الجسم إذ قد تؤدي إلى أمراض خطيرة و مزمنة بل و مميتة، فهنالك ارتباط قوي بين الهيجان ومرض اسكري و كذا قرحة المعدة بل قد يؤدي إلى السكتة القلبية. و الأمراض العصبية فالمصابون بأمراض السكر، و القرحة و القلب هم أناس يتعرضون للانفعالات بكثرة في حياتهم و كثيرا ما ينصحهم الأطباء بالابتعاد عن مواطن الانفعال الحاد.
أما من الناحية النفسية فالأمر أكثر وضوحا إذ يلاحظ على المهتاج ضعف كبير في القدرة على التركيز و مراقبة الإرادة، و ضبط النفس فيختل السلوك و تتزعزع مظاهر الأخلاق في السلوك و تحل محلها الدوافع الهيجانية الغليظة و الحيوانية.
لقد قال بيار جاني "إن الهيجان اضطراب في السلوك و تعبير عن الفشل و اختلال في توازن الفرد مع محيطه. فهو يعود بالفرد إلى الحركات الآلية الفطرية و المكتسبة و يعيده إلى الاندفاع الحيواني بحيث ل يعرف سوى الضرب و اشتم و الصراخ".
النقد: إذا كان صحيح أن الانفعال الهيجاني يؤثر سلبا على سلوك الفرد و يضعه في موضع لا حضاري فإن من العلماء و المفكرين من رآه تعبير ضروري عن المواقف التي تفترض هذا الانفعال الهيجاني، لأنه ليس من الطبيعي أن يواجه الإنسان الإهانة بالابتسام.
الهيجان سلوك إيجابي:
يعتقد الكثير من العلماء أن للهيجان آثار إيجابية على المستوى الجسمي و انفسي:
فعلى المستوى الجسمي: يهيئ الجسم للموقف المثير فالخوف يجعل الفرد على استعداد للهروب من الخطر و الغضب يهيئ الجسم للمواجهة و لذا يقول دارون أن الهيجان لا يهيئ الكائن الحي لوضع داخلي أكثر ملائمة بل وسيلة للتلاؤم مع الظروف الموضوعية المفاجئة.
كما يعمل الهيجان على تنشيط الجسم و إمداده بطاقة ما كانت لتكون لو لا الانفعال الهيجاني.
التركيب: إذا كانت النظرية العقلية قد بالغت في التركيز على التصورات العقلية مهملة التغيرات الفزيولوجية أو أثرها في الهيجان و على العكس من ذلك كانت النظرية الفزيولوجية تسهى إلى اعتبار الهيجان عملية فزيولوجية محضة و كان إنكارها للجانب النفسي مبالغ فيه مما يجعلنا نعتقد أن الهيجان هو استجابة الفرد بكليته وكوحدة واحدة لا تقبل التجزئة، و لعله من الإنصاف أن نقول لا هيجان بدون جسد و لا هيجان بدون نفس أو تصورات عقلية لقد قال أرسطو قديما "بأن الانفعال ليس في الجسم و لا في النفس بل في الإنسان". إن الهيجان كأي حادثة نفسية أخرى، لا ترجع إلى عنصر بسيط و لا إلى جماعة عناصر مضاف بعضها إلى بعض بل الهيجان سلوك يعم كل الإنسان.
أثر الهيجان في السلوك:
إذا كان الهيجان سلوك يعم كل الإنسان نفسا و جسما و إذا كان يبدو أن الهيجان اضطراب فهل يعني ذلك أن أثره سلبي في حياتنا، ألا يمكن أن يكون الهيجان تعبير طبيعي و إيجابي و ملائم طبقا للموقف الذي نحياه؟
و بصورة أكثر وضوح هل الهيجان انحراف عن التكليف الملائم أم أنه تكيف يقتضيه الظرف.
الهيجان سلوك عشوائي:
يكاد يجمع علماء النفس و رجال الأخلاق أن الهيجان سلوك سلبي بدائي حيواني يتعارض و إنسانية الإنسان تبعا للآثار التي يتركها جسميا و نفسيا.
فمن الناحية الجسمية: يضطرب الجسم كله و يصبح في وضع يصعب التحكم فيه ذلك أن الاضطرابات الهيجانية تمس الدورة الدموية، و الجهاز التنفسي و الإفرازات الغددية و تتأثر بذلك العضلات. لقد لوحظ أثناء قياس التخطيط الكهربائي للدماغ تحول الموجات ألفا إلى بيتا لدى المهتاج و هذه الموجات لوحظت عند المجانين و الأطفال مما يدل أن سلوك المهتاج يصبح سلوكا عشوائيا غير خاضع