السلام عليكم و رحمة الله و بركاته اخوتي في الله..
عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( قال الله :
إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه ، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه ) .
تخريج
الحديث
رواه البخاري بهذا اللفظ ، وروي بألفاظ مختلفة في البخاري و
مسلم عن عائشة و عبادة بن الصامت و أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين .
الساعة
الأخيرة
يخبر الحديث عن أحرج الساعات في حياة الإنسان ، وهي آخر
ساعة يودع فيها الحياة الدنيا ، الساعة التي لا بد وأن تمر على الجميع بدون
استثناء المؤمن والكافر ، الصغير والكبير ، الغني والفقير ، الذكر والأنثى
، إنها ساعة الاحتضار وخروج الروح ، وهي ساعة صدق يصْدُق فيها الكاذب ،
ويظهر فيها المستور ، وينكشف فيها المخبوء ، فلا تقبل عندها التوبة ، ولا
ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً .
وما
يحدث للمحتضر حال احتضاره غيب لا نشاهده ولا نراه وإن كنا نرى آثاره ، وقد
أخبرنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه ، وأخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم -
في سنته عمَّا يلقاه العبد وما يعاينه في تلك الساعة .
فإذا حان
الأجل وشارفت حياة الإنسان على المغيب ، أرسل الله إلى عبده رسل الموت لقبض
روحه كما قال سبحانه :{وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء
أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } (الأنعام 61) وقال : {فلولا إذا
بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون
}( الواقعة 83- 85) فيكون الإنسان في تلك الحال في موقف من أصعب المواقف ،
فهو خائف مما سيقدم عليه ، كما أنه خائف على من خلفه ، فتأتي الملائكة
للمؤمن في صورة حسنة جميلة ، وتبشره برضوان الله وجنته ، وتؤَمِّنه وتطمئن
قلبه بألا يخاف مما سيستقبله في عالم البرزخ والآخرة ، ولا يحزن على ما
خلفه من أهل ومال وولد {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم
الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون }(فصلت
30) ، وتأتي الكافرَ والمنافقَ في صورة مخيفة مفزعة ، وتبشره بسخط الله
وغضبه وأليم عقابه ،{ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم
وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق }(الأنفال 50) ، فحينئذ يفرح المؤمن ويستبشر
ويحب لقاء الله ، لِما ينتظره من حسن الجزاء ، ويكره الكافر لقاء الله لما
يعلم من سوء العاقبة .
وقد جاء في السنة في حديث البراء بن عازب
المشهور مزيد بيان وتوضيح لما يحدث للصنفين في هذه الساعة يقول - صلى الله
عليه وسلم - : ( إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من
الآخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم
كفن من أكفان الجنة ، وحنوط - وهو ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم
- من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت عليه
السلام ، حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة - وفي رواية
المطمئنة - اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال فتخرج تسيل كما تسيل
القطرة من فيِّ السقاء ، .........، وإن العبد الكافر - وفي رواية الفاجر -
إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء
ملائكة ، سود الوجوه - وفي رواية غلاظ شداد - معهم المسوح (من النار) - وهو
كساء غليظ من الشعر والمراد الكفن - ، فيجلسون منه مدَّ البصر ، ثم يجيء
ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط
من الله وغضب ، قال فتفرق في جسده ، فينتزعها كما ينتزع السفود - وهي حديدة
ذات شعب متعددة - من الصوف المبلول ( فتقطع معها العروق والعصب ) رواه
أحمد .
المراد بالحديث
فليس المقصود من الحديث إذاً حب الموت
أو كراهيته ، فإن حب الخلود والبقاء وكراهة الموت ، أمر فطري لا يلام
الإنسان عليه ، ولا يستطيع دفعه عن نفسه ، وإنما المقصود منه ما كان في
ساعة محددة وذلك عند الاحتضار ، ومعاينة الملائكة ، وبلوغ الروح الحلقوم ،
وقد جاء تفسيره بذلك في الروايات الأخرى لهذا الحديث ففي البخاري أن عائشة
رضي الله عنها أو بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ظنت أن المقصود
منه كراهة الموت ، فقالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إنا لنكره الموت
فقال : ( ليس ذاك ، ولكن المؤمن إذا حضره الموت ، بشر برضوان الله وكرامته ،
فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن
الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته ، فليس شيء أكره إليه مما أمامه ،
كره لقاء الله وكره الله لقاءه ) .
وفي رواية مسلم قالت عائشة للذي
سألها عن معنى هذا الحديث : " ليس بالذي تذهب إليه - تعني كراهية الموت -
ولكن إذا شخص البصر ، وحشرج الصدر ، واقشعر الجلد ، وتشنجت الأصابع ، فعند
ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه "
.
وتبع عبد الرحمن بن أبي ليلى جنازة في يوم من الأيام فحدَّث بهذا
الحديث ، فأكب القوم يبكون ، فقال : ما يبكيكم فقالوا : إنا نكره الموت ،
قال : " ليس ذلك ، ولكنه إذا حَضَر {فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان
وجنة نعيم }(الواقعة 88- 89) فإذا بُشِّر بذلك أحب لقاء الله ، والله
للقائه أحب ،{وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم }(الواقعة
92- 93) ، فإذا بُشِّر بذلك يكره لقاء الله ، والله للقائه أكره " رواه
أحمد وحسنه الألباني .
ولذا فإن العبد الصالح إذا حُمِل فإنه يطالب
حامليه بالإسراع به إلى القبر شوقاً منه إلى ما أعده الله له من النعيم ،
وأما غير الصالح فينادي بالويل والثبور من المصير الذي سيقدم عليه ، يقول -
صلى الله عليه وسلم - : ( إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم ،
فإن كانت صالحة قالت : قَدِّموني ، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها : يا
ويلها أين يذهبون بها ، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمع الإنسان
لصعق ) رواه البخاري .